الخميس، 14 ديسمبر 2017

الطعن في أحاديث الأمر بالجهاد(*)


مضمون الشبهة:

يدعي بعض المشككين بطلان الأحاديث التي تأمر بالجهاد في سبيل الله، كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله»، وقوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي...».

ويستدلون على بطلانها بأنها تتعارض مع القرآن الكريم؛ فقد قال الله عز وجل: )لا إكراه في الدين( (البقرة: ٢٥٦)، وقال تعالى: )فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر( (الكهف: ٢٩)، وقال تعالى أيضا: )وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (107)( (الأنبياء)، وهذا هو منهج الديانات السماوية كلها في نشر رسالتها - رسالة الفضيلة والسلام - فكيف يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم- بالقتال في عرض الإسلام على الناس، كما أن هذا يعد سلبا لحرية الإنسان في اختيار عقيدته؟!

ثم إن مثل هذه الأحاديث تناقض مبدأ الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وكذلك تجعل من النبي - صلى الله عليه وسلم- وصحابته قطاع طرق ومرتزقة سيف!

وقد روي عنه - صلى الله عليه وسلم- أيضا قوله: «من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر...».

وهذا يناقض ما ظهر حديثا من أدوات القتال مثل البنادق والمدافع والصواريخ، وقد استغنى تماما عن أدوات الحرب القديمة كالسهم الذي ورد في الحديث، وهذا كفيل برد هذا الحديث لمخالفته الواقع.

رامين من وراء ذلك إلى الطعن في السنة النبوية وإبطال حجيتها؛ لمخالفتها القرآن والواقع.

وجوه إبطال الشبهة:

1) إن الأحاديث التي تأمر بالجهاد أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما رواه الشيخان - البخاري ومسلم - فهي - إذن - في أعلى درجات الصحة، ولفظة «الناس» في قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس...» تعني المشركين، وليس المقصود ابتداؤهم بالقتال، بل المقصود رد المجابهة؛ لأن لفظة «أقاتل»تعني رد الاعتداء وليس ابتداؤه.

2) إن الله لم يفرض الجهاد لإكراه الناس على الإسلام؛ فالإكراه لا يؤسس عقيدة، وإنما فرض الجهاد لرد الاعتداء، ونصرة المظلومين، وإيصال العقيدة إلى جميع الناس، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وقتال ناكثي العهود، وتأديب الخونة والخارجين والمتآمرين على الدولة، وبذلك فلا تعارض بين أحاديث الجهاد ومبدأ حرية الاعتقاد، وعدم إكراه أحد على الدخول في الإسلام.

3) ليس معنى أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- يذكر بعض آلات الحرب في بعض أحاديثه أن نظل ملتزمين بها، ولا نخضع لمستحدثات العصور في هذا الباب؛ لأن ما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم - بيان للواقع وليس تقييدا للحال، ومن خلال ذلك لا يطعن في حديث: «من رمى بسهم في سبيل الله...» بحجة أن فيه ذكرا لآلة من آلات الحرب لا تناسب تطورات العصر الحاضر.

التفصيل:

أولا. تعدد الأحاديث الصحيحة التي تأمر بالجهاد في سبيل الله وثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم:

يزعم بعض المشككين أن طبيعة نشر الأديان السماوية لرسالتها - رسالة الفضيلة والسلام - كانت قائمة على الحرية والاختيار، وذلك بتقديم الدعوة للناس، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، إلا أنه قد وضعت ولفقت على السنة المطهرة أحاديث كثيرة أساءت إلى قواعد الإسلام العامة - التي من أهمها: أن الإسلام انتشر بالدعوة والإقناع والدليل ولم ينتشر بحد السيف - وهذه الأحاديث لا مسوغ لها إلا إساءة الصورة العامة للإسلام، وأنه يحمل الناس جبرا على اعتناقه؛ إذ تجعل هذه الأحاديث الجهاد فريضة دينية قائمة إلى يوم القيامة لنشر الدعوة، ولا شك أن هذه الأحاديث باطلة؛ لأنها تسيء إلى الإسلام في نظرهم.

نقول: إن هذا الكلام غير صحيح، والأحاديث التي يستدل بها أولئك الأدعياء على دعواهم أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن فهمهم لها هو الخطأ الذي أركبهم هذه الأقوال الباطلة، فظنوا أن نفيها خدمة منهم للإسلام!

ومن تلك الأحاديث التي استدل بها هؤلاء حديث ابن عمر الذي فيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله»[1].

وهذا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم، وهو بذلك في أعلى درجات الصحة.

وروي بلفظ آخر عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قال: لا إله إلا الله عصم مني نفسه وماله إلا بحقه وحسابه على الله»[2].

وروى مسلم بسنده إلى أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله»[3].

والمتأمل في هذه الأحاديث الآمرة بالقتال يراها صحيحة صريحة لا إشكال فيها، وإن كانت ثمة مفسرات تكشف عن بعض ألفاظها؛ ليتضح المفهوم الصحيح لها، ونبين ذلك فيما يلي:

· لفظة «الناس» في روايات الحديث المذكورة تعني المشركين:

إن كلمة «الناس» في قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس...»، لا تعني عموم الناس، وإنما تعني ناسا لهم صفات معينة، وهم الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، قال تعالى: )قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون (29)( (التوبة).

وهذا أمر من الله تعالى للمؤمنين بقتال هذا الصنف من الناس لما يوصفون به من تلك الصفات السيئة، وقتال هؤلاء مستمر حتى يسلموا، أو يخضعوا للمسلمين حكما، ويقدمون الجزية لهم وهم صاغرون، وإلا وجب على المسلمين قتالهم بأمر الله إن وقفوا في طريق الدعوة وحالوا دون وصولها إلى الناس، أو عمدوا إلى إيذاء المسلمين.

وقد فسرت السنة النبوية ذاتها المقصود بالناس في هذا الحديث، وأكدت أنهم هم المشركون دون غيرهم، وذلك في الرواية الصحيحة التي رواها النسائي في سننه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «أمرت أن أقاتل المشركين...»[4]، فكلمة «المشركين»مفسرة لكلمة «الناس» في الروايات السابقة.

هذا عن الفئة التي أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بقتالها، ولنتأمل باقي ألفاظ الحديث النبوي، لا سيما كلمة «أقاتل» علنا، نعرف الفرق بينها وبين لفظة "أقتل" التي عدل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن استخدامها هنا، ذلك الفرق الذي لا يخفى على العربي المتأمل.

إن نص الحديث ربما يكون مشكلا - حقا - لو كان نصه هكذا:«أمرت أن أقتل الناس حتى...»؛ حيث إنه يتناقض عندئذ مع سائر الآيات والأحاديث الأخرى التي تنهى عن القسر والإكراه.

أما التعبير بكلمة «أقاتل»، تلك الكلمة التي عبر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- في روايات الحديث كافة؛ فليس فيها عند التحقيق ما يناقض النصوص التي توضح سماحة الإسلام أو علو أخلاق نبيه - صلى الله عليه وسلم- لأن لفظة "أقاتل" على وزن "أفاعل" تدل على المشاركة، فهي لا تصدق إلا تعبيرا عن مشاركة من طرفين، بل هي لا تصدق إلا تعبيرا عن مقاومة لبادئ سبق إلى قصد القتل، فالمقاوم للبادئ هو الذي يسمى مقاتلا، أما البادئ، فهو أبعد ما يكون عن أن يسمى مقاتلا، بل هو في الحقيقة (قاتل) بالتوجه والهجوم، أو بالفعل والتنفيذ؛ إذ لا ينشأ معنى المشاركة إلا لدى نهوض الثاني للمقاومة والدفاع.

ألا ترى أنك تقول: لأقاتلن هؤلاء على ممتلكاتي أو على عرضي، فلا يفهم أحد من كلامك هذا إلا أنك عازم على مجابهة العدوان منهم على مالك أو عرضك، فمقاتلتك لهم إنما تأتي بعد توجههم إليك بالعدوان.

ومن هنا يتضح أنه من الخطأ بمكان أن تعبر عن هذا المعنى بقولك: لأقتلن هؤلاء على مالي وعرضي، كذلك من الخطأ أن يفهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس...» معنى العدوان أو التعدي.

وعليه، يكون معنى الحديث: أمرت أن أصد أي عدوان على دعوتي وأدعو الناس إلى الإيمان بوحدانية الله، ولو لم يتحقق صد العدوان عن هذه الدعوة إلا بقتال المعادين والمعتدين؛ فذلك واجب أمرني به الله ولا محيص عنه[5].

حديث آخر يرده المشككون:

ومن الأحاديث التي ردها المشككون والتي تثبت وجوب الجهاد، قوله صلى الله عليه وسلم: «بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم»[6]، فهذا الحديث صحيح رواه الإمام أحمد، وصححه الشيخ أحمد شاكر والإمام الألباني، ولا تعارض بينه وبين آيات القرآن الداعية إلى السلام والسماحة، فقد جاءت آيات كثيرة تؤدي معنى هذا الحديث، ولا يفهم منها العدوانية، أو الدعوة إلى التعدي والقتال لأجل القتال؛ فالحديث دعوة للجهاد هدفها التوحيد، ووسيلتها السيف بعد الحجة والبيان، ومنهجها العدل والرحمة، ومحظورها العدوان والتعدي والإكراه.

والقتال في الإسلام على قول الجمهور يقع لاعتداء الكفار، لا لضلالهم، أوإجبارهم على دخول الإسلام.

قال ابن تيمية: وقول الجمهور هو الذي يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار.

قال تعالى: )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190)واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين (191) فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم (192) وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193) الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين (194)( (البقرة).

فقوله: )الذين يقاتلونكم( تعليق للحكم بأنهم يقاتلوننا فدل على أن هذا علة الأمر بالقتال، وقوله تعالى: )ولا تعتدوا(، والعدوان مجاوزة الحد فدل على أن قتال من لم يقاتلنا عدوان، واشترط المثلية في رد العدوان فقال: )فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم(، ثم قال تعالى: )وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة(، والفتنة تحويل المسلم من دينه قسرا كما كان المشركون يفعلون بالمستضعفين، ومقاتلتهم حتى تنكسر قواهم ويعجزوا عن الفتنة، ولم يقل سبحانه: (قاتلوهم ليسلموا)![7]

وعليه، فلا يوجد تعارض بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «بعثت بين يدى الساعة بالسيف..»، وبين القرآن الكريم.

ونخلص من هذا كله إلى أن الأحاديث التي تأمر بالجهاد في سبيل الله أحاديث ثابتة صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها ما روي في أصح كتب السنة - صحيحي البخاري ومسلم -، ومنها ما روي في غيرهما وصححه علماء الحديث وصيارفته، فتبين أن هذه الأحاديث صحيحة، ولا حجة في ردها.

ثانيا. إن الله لم يفرض الجهاد لإكراه الناس على الإسلام؛ فالإكراه لا يؤسس عقيدة، قال تعالى: )لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي( (البقرة: ٢٥٦):

إن الحرية مكفولة في أحكام الإسلام ودستوره، ولو صح قول بعضهم: " إن الإسلام سل سيفا، وفرض نفسه على الناس جبرا؛ لما وجدنا شيئا اسمه الجزية، ولا فئة اسمها ذميون.

ولكن للإسلام مبدأ معلوم في الدعوة والتبليغ حدده الله تعالى في قوله: )ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة( (النحل: ١٢٥)، وكم أكد البيان الإلهي هذه الحقيقة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكررها بأساليب شتى، ومن ذلك قوله عز وجل: )فذكر إنما أنت مذكر (21) لست عليهم بمصيطر (22) إلا من تولى وكفر (23) فيعذبه الله العذاب الأكبر (24)( (الغاشية)، فجعل أمر من لا يؤمن موكولا إلى الله عز وجل.

وقوله: )فإن أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ( (الشورى: ٤٨)

وقوله تعالى: )فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين (92)( (المائدة).

ولاحظ أن في هذه الآيات ما هو مدني؛ أي نزل بعد مشروعية الجهاد القتالي، ومعنى هذا أن الدعوة لم تتحول في عهد ما من نصح اختياري إلى أمر قسري[8].

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن، لماذا - إذن - قام المسلمون بحروب كثيرة في بداية الدعوة؟ وللإجابة عن هذا التساؤل، نقول: إن هناك أسبابا للجهاد أو للقتال في الإسلام، منها:

1. دفع الظلم ورد أي اعتداء على الإنسان من جميع الجوانب، سواء كان ذلك في نفسه أو في أهله أو في ماله، يقول الحق تبارك وتعالى في بداية الإذن بالقتال: )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39)( (الحج)، ففي هذه الآية يأذن الله للمسلمين في قتال الأعداء، ويجعل ذلك حقا مشروعا وواجبا فرضته طبيعة المواجهة بين الحق والباطل، ويعلل سبب ذلك فيقول عز وجل: )الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله( (الحج: 40)٠ فالمسلمون لم يقترفوا ذنبا من شأنه أن ينفيهم أو يبعدهم عن أرضهم وديارهم، ولم يفعلوا شيئا يذكر سوى أنهم قالوا ربنا الله، أليس من حقهم أن يدافعوا عن أنفسهم؟! وهل يستطيع أحد أن ينكر على الإنسان حقه المشروع في الدفاع عن النفس؟! وهل من عار في أن يستمر هذا الإذن مبدأ من المبادئ التي يدعو إليها الإسلام في أي وقت وأي مكان تكررت فيه مثل هذه الحادثة؟!

2. نصرة المظلومين والمستضعفين في الأرض، فما دام الإسلام يمقت الظلم ويحرمه وينهى الإنسان عنه؛ فإنه طبعي أن يأمر برفع الظلم عن المظلومين والمستضعفين، قال تعالى: )وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا (75)( (النساء)، وقد طبق الرسول - صلى الله عليه وسلم- هذا المبدأ، حيث ناصر خزاعة على قريش - التي نقضت صلح الحديبية - بعد أن استنصروا به.

3. إيصال العقيدة إلى جميع الناس، وهي أسمى ما يجب على الإنسان تبليغه؛ لذلك فإننا نجد أن الإسلام قد شرع الجهاد وحث عليه من أجل إفساح المجال أمام العقيدة حتى تصل إلى الشعوب، وإزالة كل الحواجز التي تحول دون دعوة الناس إلى عبادة الله الواحد، سواء كانت ملوكا، أو حكومات، أو أفرادا باغين، قال تعالى: )وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن انتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين (193)( (البقرة)، فهذا النوع من القتال يعد تحقيقا لكلمة الله، فالهدف المرجو هو أن يصل الإسلام إلى جميع الشعوب، ثم بعد ذلك لهم الخيار في اعتناقه أو رفضه.

4. تحقيق العدالة الاجتماعية ومبدأ التعايش السلمي؛ ولذلك فقد أوجب الإسلام نوعا من الحروب تقوم على فض الخلافات والمنازعات وإقرار السلم بين الجماعات، قال تعالى: )وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين (9)( (الحجرات)، وهكذا نجد أن القتال المشروع هنا إنما هدفه دفع القتال الناشئ عن بغي فئة على أخرى، وعدم رجوع تلك الفئة عن غيها.

قتال ناكثي العهود، قال تعالى: )وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون (12) ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين (13)( (التوبة).

5. تأديب الخونة والخارجين والمتآمرين على الدولة فيما يسمى حديثا بالخيانة العظمى لنظام الدولة، وعقابه القتل للخائن منعا لقتل آلاف الأبرياء.

ومع إباحة الإسلام لتلك الأنواع من الحروب فإنه وضع معها مبادئ إنسانية تحد من أخطارها، وتجعلها في نطاق محدود، وتكفل لها أداء مهمتها في حماية الحق والعدل، والقضاء على الذين يفسدون في الأرض، وأهم تلك المبادئ: عدم مقاتلة غير المقاتلين، وعدم ملاحقة الفارين والهاربين لإبادتهم، وعدم التعرض لوسائل الحياة بالتدمير كالزروع والحيوانات، وعدم أخذ العدو على غرة كما تفعل الدول التي تدعي الحضارة والمدنية في العصر الحديث[9]، إن الحرب في الإسلام يصورها أمير الشعراء، بقوله:

الحرب في حق لديك شريعة

ومن السموم الناقعات دواء

هذه هي الأسباب التي دعت المسلمين إلى الجهاد، ولم يكن قتال المسلمين المشركين لإكراههم على الدخول في الإسلام، كلا، فإن الإسلام ظل ثلاث عشرة سنة يعرض على المشركين في مكة، ولم يرفع في وجه مشرك سيف، بل هم الذين جاهدوا الدعوة ليستأصلوا شأفتها، ويقضوا عليها وعلى أهلها من بدايتها. فكان قتال المسلمين لهم لما هاجروا إلى المدينة مجرد رد فعل لما فعلوه - أي المشركين - هم بالمؤمنين في مكة.

قال الشيخ محمد رشيد رضا: "وكون الإسلام قام بالدعوة لا بالسيف، هذا أمر قطعي لا ريب فيه، وأما الحديث - يقصد الحديث الذي استدل به أصحاب هذه الدعوى - فقد ورد في مشركي العرب الذين لم تقبل منهم الجزية بعد الإذن بقتالهم، وما أذن للمسلمين بقتالهم إلا بعد أن آذوا النبي - صلى الله عليه وسلم- ومن معه وأخرجوهم من ديارهم وأموالهم، وقعدوا لهم كل مرصد، ووقفوا في سبيل الدعوة، فلم يكن الإذن بقتالهم إلا للدفاع عن الحق، وحماية الدعوة، وليس الغرض من الحديث بيان أصل مشروعية القتال، فإن هذا مبين في كتاب الله العزيز، كما في قوله تعالى: )أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير (39)( (الحج)، وقوله تعالى: )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا( (البقرة)، وإنما الغرض من الحديث بيان أن قول(لا إله إلا الله) كاف في حقن الدماء، وإن لم يكن القائل لها من المشركين معتقدا بها؛ لأن الأمر في ذلك يبنى على الظاهر، وهذا بالنسبة إلى وقت القتال، ولكنه بعد ذلك يؤمر بالصلاة والزكاة، فإن امتنع عن قبولها لا يعتد بإسلامه[10].

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله:

وإذا كان أصل القتال المشروع هو الجهاد، ومقصوده هو أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا؛ فمن امتنع من هذا قوتل باتفاق المسلمين، وأما من لم يكن من أهل الممانعة والمقاتلة كالنساء والصبيان والراهب والشيخ الكبير والأعمى والذمي ونحوهم، فلا يقتل عند جمهور العلماء، إلا أن يقاتل بقوله أو فعله، وإن كان بعضهم يرى إباحة قتل الجميع لمجرد الكفر، إلا النساء والصبيان؛ لكونهم مالا للمسلمين، والأول هو الصواب؛ لأن القتال إنما يكون لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله، كما قال الله تعالى: )وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين (190)( (البقرة) [11].

فلم يكن هدف الإسلام هو القتل وإراقة الدماء، كما يزعم هؤلاء المتوهمون، وإنما كان النبي - صلى الله عليه وسلم- حريصا أشد الحرص على حقن دماء الناس، فقد روى سفيان عن علقمة بن مرثد، عن سليمان بن بريدة، عن أبيه، قال: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- إذا أمر أميرا على جيش أو سرية، أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال (أو خلال)، فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك؛ فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها، فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، فإن هم أبوا، فاستعن بالله وقاتلهم...»[12].

وبهذا يتبين لنا طبيعة الفتح الإسلامي في بداية أمره، وكيف كان يحمل الداعون إلى الله منهج الله بأمر الله وأمر رسوله - صلى الله عليه وسلم- على تلك الوجهة السمحة التي رأيناها في معاملة الفاتحين لأهل الديانات الأخرى، وكيفية عرض الدعوة عليهم، ولو كان وضع السيف على الرقاب - لعرض الإسلام - وسيلة لإيصاله إلى الناس - لفرض بطريق لا يوهم منه أنه عقاب لهم على قبول شيء لم يخلقوا عليه، أو أنفت نفوسهم أن تتبعه، لكن كل هذا لم يكن، وظهر الإسلام واستحكم أمره شرقا وغربا بسياسة الفاتحين التي أرساها لهم الإسلام ونبيه صلى الله عليه وسلم.

وبما أن الدولة الناشئة كانت مرصودة ومتربصا بها من معظم الجهات، فإن المتوقع والحاصل بالفعل أن يستمر النبي - صلى الله عليه وسلم- وصحابته -رضي الله عنهم- في معظم الأحوال في رد العدوان عن الدولة الناشئة لإقامة دين الله وتحقيق المطلوب من البعثة، وبما أن هناك عدوانا وردا لهذا العدوان، فهناك منتصر يسلب ويغنم، ومغلوب يسلب ويغرم، وعلى سبيل التبشير والثقة في نصر الله قال النبي صلى الله عليه وسلم«وجعل رزقي تحت ظل رمحي...»، ولا يعني هذا بحال أن المسلمين قطاع طرق أو مرتزقة سيف يأكلون أموال الناس بالباطل، بل إن شعارهم في حروبهم )فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم( (البقرة: ١٩٤)، وتأتي الغنائم والأسلاب بعد ذلك كنتاج طبيعي يناله المنتصر، فهي ليست غاية في حد ذاتها وليست هدفا من وراء حروب المسلمين.

وإذا علمنا أن الله تعالى ناصر دينه لا محالة ومؤيد نبيه - صلى الله عليه وسلم- أيقنا أن النصر سيكون حليف المسلمين، قال تعالى: )ولينصرن الله من ينصره( (الحج: ٤٠)، ومن توابع النصر - قبل الغنائم والأسلاب - العزة والرفعة وعلو المكانة، كما أن من توابع الهزيمة - إضافة إلى المغارم - حصول الذل والصغار" وهذا مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم:«وجعل الذل والصغار على من خالف أمري».

ومن هذا يتبين أن هذه الأحاديث التي تحث على الجهاد في سبيل الله لا تدعو بذلك إلى إكراه الناس وإجبارهم على الدخول في الإسلام، وإنما له أسباب - غير ذلك - قد ذكرناها، ومن خلالها يتبين سمو هدف الجهاد، وأنه لا يتعارض مع مبدأ حرية الإنسان في اختيار عقيدته، ولم يكن هدفه الارتزاق، وإنما كان المال ناتجا طبيعيا للمنتصر.

ثالثا. ما ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم- في بعض أحاديثه من آلات القتال ليس تقييدا وحصرا، وإنما ذلك لبيان الواقع، وما ظهر من أسلحة في العصر الحديث لم يخرج عما ذكره الله سبحانه وتعالى:

من الافتراءات التي وجهت نحو السنة النبوية المطهرة رميها بأنها لا تناسب مستحدثات العصر الحاضر، وذلك من خلال ما ظهر من أسلحة فتاكة تستخدم في القتال، كالدبابات والصواريخ والطائرات وغيرها، والناظر في السنة يجدها تذكر بعض الأسلحة التي استغني عنها الآن، مثل السهام، وواقع الحال يرفض ذلك، ومن خلال النظر في الواقع فإن هذه الأحاديث باطلة!

نقول: هذه فرية باطلة، والأحاديث التي اعتمد عليها هؤلاء الواهمون صحيحة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«من رمى بسهم في سبيل الله فهو له عدل محرر...»[13].

وهذا الحديث صحيح ثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو ينطبق على الرمي بالسهم أو البندقية أو المدفع أو الصاروخ أو أي وسيلة يخبئها ضمير الغيب، أما تخصيص السهام بالذكر فلما لها من أهمية كبيرة في النكاية بالعدو آنذاك.

قال القرطبي - رحمه الله: ولما كانت السهام من أنجع ما يتعاطى في الحروب والنكاية في العدو وأقربها تناولا للأرواح؛ خصها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بالذكر لها والتنبيه عليها[14].

وقد قال الله تعالى: )وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون (60)( (الأنفال)، وروي عن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- أنه قال «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وهو على المنبر يقول: )وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة( (الأنفال: 60)، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي»[15].

وليس المراد خصوص الرمي بالنبال أو السهام - وإن كان هو المقصود للمناسبة بين أحوال الناس آنذاك ووسائل القتال - بل يتعدى إلى كل ما يصدق عليه الرمي بآلات القتال في البر والبحر والجو، ولكن فسر الرسول - صلى الله عليه وسلم- القوة بالرمي لكونه أشد نكاية في العدو[16].

لقد كان الهدف قديما وحديثا أن يمتلك المقاتل قوة تمكنه من عدوه ولا تمكن عدوه منه، وفي عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- كان مدى التفوق في رمي السهام هو رمز القوة، فأول ما تبدأ الحرب يضربون بالنبال، فإذا زحف العدو وتقدم يستخدمون له الرماح، فإذا تم الالتحام كان ذلك بالسيوف، وكانت السهام أشد قوة في الحرب؛ حيث ترمي بها خصمك فتناله وهو بعيد عنك، فلا يستطيع أن ينالك أو يقترب منك، ولذا فقد فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- القوة بالرمي، فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن القوة الرمي...»ثلاث مرات.

لأنك بالرمي تتمكن من عدوك ولا يتمكن هو منك، فإذا تفوقت في الرمي كنت أنت المنتصر عليه دون شك.

وينطبق ذلك على ما ظهر في العصر الحديث من أسلحة فتاكة، فقد كانت المدفعية لفترة من الزمن هي السلاح المستخدم في الحروب؛ مظنة تحقيقها النصر لبعد مداها، ثم جاءت الطائرات لتصبح هي السلاح الأقوى؛ لأنها تستطيع أن تقطع مسافة طويلة في أرض العدو، فتلقي بقنابلها وتعود، وصارت قوة الطيران هي التي تحدد المنتصر في الحرب؛ وذلك لأنها تلحق بالعدو خسائر جسيمة دون أن يستطيع هو أن يرد عليها ما دام غير متفوق في الطيران، ثم بعد ذلك جاءت الصواريخ عابرة القارات، إلى آخر تلك السلسلة من الأسلحة المتطورة التي تتسابق على اختراعها الدول الآن، وكلها أسلحة بعيدة المدى، والهدف أن تنال كل دولة أرض عدوها، ولا يستطيع هو أن ينال أرضها[17].

فالوسائل قد تتغير من عصر إلى عصر، ومن بيئة إلى أخرى، بل لا بد من تطورها حسب التطور العام، فإذا نص الحديث على شيء منها، فإنما هو لبيان الواقع، لا ليقيدنا بها، ويجمدنا عندها[18].

وعليه، فإن استعمال آلات الحرب الحديثة لم يخرج عن أمر الله -عز وجل- بإعداد القوة التي فسرها النبي - صلى الله عليه وسلم- بالرمي، ولم تخرج عن حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم- الذي جعل الرمي بالسهم أقوى نكاية في العدوان، وكل ما ظهر حديثا لم يخرج عن كونه رميا، كالرمي بالسهم لنيل العدو من بعيد دون أن ينال العدو الرامي.

الخلاصة:

· إن الأحاديث التي تحث على الجهاد وتأمر به أحاديث صحيحة ثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم- بعضها رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وبعضها الآخر ورد في كتب السنة الأخرى وقد صححها علماء الحديث الأثبات سندا ومتنا.

· إن كلمة "الناس" في قوله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس...»هي من العام الذي أريد به الخاص، وهي تعني المشركين، وهذا ما ذكره الرسول - صلى الله عليه وسلم- في رواية النسائي، وهؤلاء الصنف المأمور بقتالهم لهم صفات معينة أوجبت على المسلمين قتالهم، ومن هذه الصفات: أنهم لا يؤمنون بالله، ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله.

· إن لفظة: «أقاتل» في الحديث الذي يطعن فيه هؤلاء الواهمون تعني رد العدوان المبدوء من جهة المشركين، فهي لغويا من المفاعلة، والمبدوء بالقتال يسمى مقاتلا - إن دافع - أما البادئ فهو الذي يسمى قاتلا، والبدء بالقتال منفي عن الحديث، بل عن الإسلام ذاته، وقد قال الرسول - صلى الله عليه وسلم- يوم الحديبية لما عرض بديل بن ورقاء أن يستسلموا، فقال صلى الله عليه وسلم: "إن أبوا إلى ذلك لأقاتلنهم... "، ولم يقل: لأبدأنهم بالقتال.

· لم يكن أمر الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم- بقتال المشركين من أجل إكراههم أو إجبارهم على اعتناق الإسلام؛ لأن الدعوة استمرت في مكة ثلاث عشرة سنة، ولم يرفع المسلمون في وجه أحد سيفا مع شدة العذاب والإيذاء الذي تعرض له المسلمون، وإنما المقصود هو عقابهم بمثل ما عاقبوا به المسلمين، وإزاحتهم من طريق الدعوة لتصل إلى الناس كافة، وإظهار عزة الإسلام والمسلمين بعد الصبر على الشقاء والعذاب قبل الأمر بالقتال، لا سيما وأن الإذن بالقتال قد أخذ مراحل لإرسائه.

· ليس هناك معارضة بين قول الله تعالى: )لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي( (البقرة: ٢٥٦)، وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله...»؛ لأن الحديث يعني قتالهم إن أبوا هم الجنوح إلى السلم.

· كان النبي - صلى الله عليه وسلم- يوصي قادة الجيوش أن يعرضوا ثلاثة أمور على هؤلاء الذين يدعونهم إلى الإسلام، أولها الإسلام، ثم الجزية، ثم السيف في النهاية إن آذوا المسلمين، ووقفوا في طريق الدعوة وحاربوها ومنعوا وصولها إلى الناس.

· إن الجهاد شرع في الإسلام ضرورة لا غاية؛ وذلك لرد الظلم والقهر، وحماية الحق، وحراسة الفضيلة، ولم يشرع لسفك الدماء ونهب الأموال وسلبها، ولا لإجبار الناس على اعتناقه، ولا لعقاب الكافرين على كفرهم، ولو كان الأمر كذلك لما عقد النبي - صلى الله عليه وسلم- وصحابته من بعده معاهدات الصلح مع غير المسلمين، وما تركوهم على عقائدهم في أرضهم سالمين.

· إن حديث: «من رمى بسهم في سبيل الله...» حديث صحيح، وقد ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم- السهم هنا لما له من أهمية في النكاية بالعدو كأشد أنواع الأسلحة تأثيرا.

· لقد فسر الرسول - صلى الله عليه وسلم- القوة في قوله تعالى: )وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة( (الأنفال: ٦٠) بالرمي، وما السهام في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من رمى بسهم في سبيل الله...» إلا رمز لتلك القوة، وطبيعة لحال الناس في حروبهم آنذاك، ولا مانع من صدق هذا التعبير على أي رمي برا أو بحرا أو جوا قديما وحديثا، حيث تدخل في ذلك الأسلحة المدفعية والطائرات والصواريخ وغيرها من آلات الحرب التي ظهرت حديثا.

· ثمة اتفاق بين الناس في حروبهم قديما وحديثا مؤداه اختراع ما به يتمكنون من عدوهم، ولا يمكن عدوهم منهم، وكانت السهام في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم- هي رمز القوة والتفوق في الحروب، وهذا الذي تفنن فيه المعاصرون - باختراع الآلات الحربية الحديثة - لم يخرج عما جاء في كتاب الله -عز وجل- وسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.






(*) تحرير العقل من النقل، سامر إسلامبولي، دار الأوائل، دمشق، 2001م. الجهاد في الإسلام.. كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟، محمد سعيد البوطي، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط2، 1418هـ / 1997م. كيف نتعامل مع السنة النبوية؟، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م.

[1]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الإيمان، باب: ) فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم (، (1/ 94، 95)، رقم (25). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله محمد رسول الله...، (1/ 348، 349)، رقم(128).

[2]. صحيح البخاري (بشرح فتح الباري)، كتاب: الجهاد والسير، باب: دعاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الناس إلى الإسلام والنبوة، (6/ 130)، رقم(2946). صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله...، (1/ 348)، رقم (125).

[3]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإيمان، باب: الأمر بقتال الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله...، (1/ 348)، رقم (126).

[4]. صحيح: أخرجه النسائي في سننه الكبرى، كتاب: تحريم الدم، الباب الأول، (2/ 655)، رقم (3966). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن النسائي برقم (3966).

[5]. الجهاد في الإسلام.. كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟، محمد سعيد البوطي، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط2، 1418هـ / 1997م، ص58، 59 بتصرف.

[6]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند عبد الله بن عمر، (8/ 44)، رقم (5667). وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على المسند (8/ 44) برقم (5667). وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (2831).

[7]. مائة سؤال عن الإسلام، محمد الغزالي، دار نهضة مصر، القاهرة، ط2، 2004م، ص87، 88.

[8]. الجهاد في الإسلام.. كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟، محمد سعيد البوطي، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط2، 1418هـ / 1997م، ص51.

[9]. الاستشراق والجهاد الإسلامي، السيد عبد الحليم محمد حسين، دار الطباعة والنشر الإسلامية، القاهرة، 2004م، ص138، 144 بتصرف.

[10]. مجلة المنار، محمد رشيد رضا، (10/ 285).

[11]. مجموع الفتاوى، ابن تيمية، تحقيق: أنور الباز وعامر الجزار، دار الوفاء، مصر، ط3، 1426هـ/ 2005م، (28/ 354).

[12]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الجهاد، باب: تأمير الإمام الأمراء على البعوث ووصيته إياهم بآداب الغزو وغيرها، (6/ 2700، 2701)، رقم (4441).

[13]. صحيح: أخرجه الترمذي في سننه (بشرح تحفة الأحوذي)، كتاب: فضائل الجهاد، باب: ما جاء في فضل الرمي في سبيل الله، (5/220)، رقم (1689). وصححه الألباني في صحيح وضعيف سنن الترمذي برقم (1638).

[14]. الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1405هـ/ 1985م، (8/ 37).

[15]. صحيح مسلم (بشرح النووي)، كتاب: الإمارة، باب: فضل الرمي والحث عليه، (7/ 2990)، رقم (4863).

[16]. الجهاد في الإسلام: دراسة فقهية مقارنة، أحمد محمود كريمه، مطابع الدار الهندسية، القاهرة، 1424هـ/ 2003م، ص232 بتصرف.

[17]. تفسير الشعراوي، الشيخ محمد متولي الشعراوي، مطابع أخبار اليوم، القاهرة، د. ت، (8/4776،4777) بتصرف.

[18]. كيف نتعامل مع السنة النبوية؟، د. يوسف القرضاوي، دار الشروق، القاهرة، ط1، 1427هـ/ 2006م، ص160.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق